المغرب يقود "ثورة المواهب المزدوجة": مشروع استباقي يغيّر موازين القوى

نجح المغرب في كسب رهان مزدوجي الجنسية، ليقود تحوّلًا جذريًا في القارة السمراء، أثرت في اختيارات اللاعبين المولودين بأوروبا. هذا المشروع الذي ألهم دولًا إفريقية أخرى، أعاد رسم خريطة الجاذبية الكروية وأربك مراكز القرار الكروي في القارة العجوز.

المغرب يقود "ثورة المواهب المزدوجة": مشروع استباقي يغيّر موازين القوى

شهدت السنوات الأخيرة تحولًا غير مسبوق في اختيارات اللاعبين مزدوجي الجنسية المولودين في أوروبا، الذين باتوا يميلون بشكل متزايد إلى تمثيل بلدانهم الأصلية.
ويعود الفضل في هذا التحول بشكل كبير إلى المغرب، الذي أرسى معالم استراتيجية واضحة ومبكرة جعلته في مقدمة الدول الإفريقية الساعية إلى استقطاب هذه المواهب، ليُصبح نموذجًا يُحتذى به في القارة.

غضب أوروبي

التحول كان واضحًا لدرجة أثارت ردود فعل حادة في أوروبا. ففي مارس الماضي، عبّر المدير التقني للاتحاد البلجيكي، فنسنت مانايرت، عن استيائه من قرار شمس الدين طالبي، لاعب كلوب بروج، باختيار المغرب بدل بلجيكا، رغم أنه تدرج في كل الفئات العمرية لـ"الشياطين الحمر". ولم يكن طالبي الوحيد، بل سبقه العديد من المحترفين المغاربة من هولندا وبلجيكا على الخصوص، وتبعهم لاعبون ذوو أصول إفريقية اختاروا منتخبات بلدان الأجداد.

التواصل المبكر

المغرب كان سباقًا إلى قلب المعادلة. فابتداءً من نهاية العقد الأول من الألفية، وضعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تصورًا متكاملًا، جعل من استقطاب مزدوجي الجنسية أولوية، مع تدخل مبكر في مساراتهم الكروية منذ الفئات الصغرى. ناصر لارغيت، المدير التقني الوطني السابق، الذي شارك في التأسيس لهذه الاستراتيجية، أوضح أهمية التواصل المبكر مع المواهب المغربية في أوروبا، قائلًا :
"حين وصلت، لاحظت أن تواصلنا مع هؤلاء اللاعبين يأتي متأخرًا، بعد أن يكونوا اتخذوا قراراتهم... فأسسنا شبكة كشف أوروبية تبدأ من سن 13 سنة، لنقنعهم بمشروع رياضي واضح وطموح".

لارغيت أسهم في تأسيس شبكة من الكشّافين في فرنسا، وبلجيكا، وهولندا، وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، بهدف رصد واستقطاب الطاقات مبكرًا. المشروع لم يكن مجرد خطاب عاطفي، بل رؤية رياضية تقدم للّاعب فرصة التطور والظهور الدولي.

المغرب يقود "ثورة المواهب المزدوجة": مشروع استباقي يغيّر موازين القوى


حكيمي ..نموذج ناجح

النموذج الأبرز لهذا المسار هو أشرف حكيمي، نجم باريس سان جيرمان، الذي اختار المغرب رغم ولادته وتكوينه في مدريد. "اختيار حكيمي ألهم كثيرين"، يقول لارغيت، مشيرًا إلى أن الإنجاز التاريخي في مونديال قطر 2022 عزز هذه القناعة، ورفع صورة المغرب إلى مصاف الكبار.

ولم يكن الأداء وحده سببًا في التحول، بل أيضًا البنية التحتية المتميزة، وعلى رأسها مركب محمد السادس الدولي لكرة القدم، والذي يعكس حجم الاستثمار في المشروع الكروي الوطني، فضلًا عن الأفق المستقبلي بتنظيم المغرب لكأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال.

المغرب مرجعا

نجاح المغرب شكّل مرجعًا لبلدان أخرى. الجزائر بدورها استفادت من هذه الدينامية، خاصة بعد فوزها بكأس إفريقيا 2019. وقد بدأت هي الأخرى في إقناع لاعبين مثل آيت نوري، غويري، وإبراهيم مازا، تونس أيضًا استقطبت حنبعل المجبري، فيما عززت دول جنوب الصحراء صفوفها بلاعبين نشؤوا في أوروبا، أبرزهم آسان دياو مع السنغال، ونوح صاديقي مع الكونغو الديمقراطية.

في كأس إفريقيا الأخيرة بكوت ديفوار، بلغ عدد اللاعبين غير المولودين في إفريقيا 200 من أصل 630 لاعبًا. وحدها مصر، وجنوب إفريقيا، وناميبيا، شاركت من دون لاعبين ولدوا خارج القارة، في مؤشر واضح على عمق التحول.

مواهب حسمت واخرى تنتظر

لكن رغم ذلك، لا تزال بعض الأسماء البارزة تختار المسار الأوروبي. لامين يامال مثلًا فضل تمثيل إسبانيا على حساب المغرب، وريان شرقي تجاهل عرض الجزائر وحسم اختياره لصالح فرنسا، ونفس القرار اتخذه ديسيري دووي، في حين أن شقيقه، غيلا دووي، يمثل كوت ديفوار.

في الوقت الذي يظل مستقبل بعض الأسماء الواعدة، ذات الأصول المغربية، معلقًا بين منتخب بلد المنشأ ونداء الجذور، يترقب الجميع قراراتهم المرتقبة، في ظل تحول كبير خلخل موازين القوى بفضل مشروع تأسس على كشّافين، ورؤية تقنية قوية واستباقية، وعلاقات رياضية واجتماعية متجذرة في بلدان المهجر.