بوغبا... العودة من تحت الأنقاض

لم تكن عودة بول بوغبا إلى الملاعب مجرد انتقال عادي إلى فريق ، بل لحظة إنسانية فارقة في مسيرة لاعب عاش عزلة نفسية وجسدية لثلاث سنوات... من الابتزاز العائلي إلى الإيقاف والإصابات، ليعود كإنسان نفض نجوميته وقرر أن ينهض من جديد.

بوغبا... العودة من تحت الأنقاض

كان يمكن لخبر تعاقد بول بوغبا مع نادي موناكو أن يمر كأي خبر آخر في سوق الانتقالات: عقد يمتد لعامين، اجتياز للفحوص الطبية، ومشاركة محتملة في دوري أبطال أوروبا... كل شيء يبدو عاديًا على الورق.
لكن خلف هذه العودة "العادية" تختبئ قصة إنسانية غير عادية.

فلأكثر من ثلاث سنوات، عاش بوغبا في عزلة عن الأضواء، بعيدًا عن الملاعب، غارقًا في دوامة من الإصابات، والإيقاف، والخيانة الأسرية... ما تعرّض له اللاعب لم يكن مجرد مشكل بدني أو تعاطٍ لمادة محظورة، بل معركة طويلة مع الألم... والخوف... والخذلان.

في ماي الماضي، كسر بوغبا صمته، وتحدث لمجلة "جي كيو" الفرنسية بجرأة نادرة، وروى تفاصيل ما مرّ به بصوت مليء بالندوب، قالها بوضوح: "لقد أثّر الابتزاز على جسدي وذهني وروحي... كنت أعيش حياتين: لاعب محترف أمام العالم، وضحية صامتة في الداخل".

ما كشفه بوغبا لم يكن بسيطًا، لقد تعرّض لعملية ابتزاز قادها شقيقه ماتياس وخمسة من أصدقاء طفولته، صدر في حقهم حكم بالسجن، لكنه هو من قضى المدة الأطول في "سجن الصمت".
"زوجتي لم تكن تعلم، ولا أطفالي"، أضاف، "كنت أعود إلى المنزل وأؤدي دوري كأب طبيعي، بينما كانت الحرب مشتعلة داخلي".

وفي لحظة مكاشفة مؤثرة، شبّه نفسه بالطفل الذي بدأ مسيرته في حي رواسي-أون-بري، وقال: "أشعر وكأني بول بوغبا الصغير من جديد... أبحث عن مكان في عالم لا يرحم".
لم تكن مجرد استعارة، هذا هو فعلاً ما كان عليه، نجم عالمي تجرد من كل شيء ليعيد بناء ذاته من نقطة الصفر.

أمام هذا المشهد، تصبح عودته اليوم إلى ملاعب كرة القدم مجرد تفصيل.
التوقيع لموناكو ليس تتويجًا، بل بداية رمزية لمسار جديد، للاعب كان مرشحًا للكرة الذهبية، وُصف يومًا بأغلى صفقة في العالم، يُعيد تعريف نفسه كلاعب يحاول فقط أن يقف على قدميه من جديد.

لم يكن الغياب بسبب خطأ متعمد، إذ أثبتت محكمة التحكيم الرياضي "طاس" أن المادة المحظورة وُصفت له عن طريق الخطأ من طبيب في الولايات المتحدة، لذلك خُففت العقوبة إلى 18 شهرًا. لكنه لم يحتج قرار المحكمة ليبدأ التغيير... التغيير بدأ عندما قرّر أن يواجه نفسه.

قد لا يعود بوغبا كما كان، وقد لا يسترجع مجده وكل إمكانياته وتقنياته العالية، لكن مجرد وقوفه مجددًا بقميص موناكو وسط الملعب تحت مدرجات تغص بالجماهير الشغوفة، هو انتصار شخصي، وصدى لرسالة أعمق من كرة القدم تقول: يمكنك أن تنهض، حتى عندما يسقطك الاخرون بل حينما يغدرك الأقربون الذين "ظلمهم أشد مضاضة من الحسام المهنّد".

بوغبا... العودة من تحت الأنقاض
ماتياس بوغبا، شقيق بول بوغبا، يصل إلى قاعة المحكمة مع خمسة أشخاص آخرين في قضية ابتزاز تستهدف نجم كرة القدم الفرنسي بول بوغبا، وذلك في محكمة باريس يوم 3 ديسمبر 2024 في باريس، فرنسا. (صورة من تصوير بابتيست فرنانديز/آيكون سبورت عبر جيتي إيمجز)