لكن التأمل في فصول "المزحة" سيجد أن ترابط الاحداث شبيه جدا بنظرية "تأثير الفراشة" في أبسط تجلياته الكروية: خسارة المغرب أمام الولايات المتحدة سنة 2022 كانت شرارة تحولات قادت، بعد ثلاث سنوات، إلى رفع باريس سان جيرمان لأول مرة كأس دوري أبطال أوروبا..
القصة بدأت من سينسيناتي...
في يونيو 2022، كان المنتخب المغربي بقيادة البوسني-الفرنسي وحيد خليلوزيتش قد ضمن تأهله إلى مونديال قطر، فخاض مباراة ودية تحضيرية أمام منتخب الولايات المتحدة على الأراضي الأمريكية. لكن النتيجة كانت كارثية: ثلاثية نظيفة لصالح الأمريكيين، وأداء باهت من أسود الأطلس.
لم تكن الهزيمة وحدها هي السبب، لكنها كانت القشة التي قصمت ظهر المدرب. .كانت هناك خلافات قائمة سلفًا بين خليلوزيتش وبعض نجوم المنتخب، وعلى رأسهم حكيم زياش. لكن الخسارة في أوهايو جاءت كدليل إضافي على أن الاستمرارية معه قد تكون مغامرة غير محسوبة.
وسرعان ما جاء القرار، إقالة خليلوزيتش قبل أقل من 100 يوم على انطلاق كأس العالم. وفي خطوة جريئة، تولّت الجامعة تعيين وليد الركراكي، مدرب محلي لم يسبق له العمل مع المنتخبات، لكنّه كان قد حقق نجاحًا لافتًا مع الوداد الرياضي محليا وقاريا.
انطلاقة ملحمية للركراكي
مع الركراكي، دخل المغرب إلى المونديال بثوب مختلف. من التعادل مع كرواتيا، إلى الانتصار على بلجيكا وكندا، ومن ثم الإطاحة بإسبانيا في مباراة بطولية حُسمت بركلات الترجيح، أصبح المنتخب المغربي حديث العالم.
تأهل المغرب إلى نصف النهائي لأول مرة في تاريخ المنتخبات الإفريقية والعربية، في ملحمة وضعت الركراكي في طليعة المدربين الصاعدين، وقلبت الموازين في الكرة العالمية.
لكن ما حدث في ثمن النهائي كانت له تبعات كبيرة أيضًا على الجانب الآخر...
لويس إنريكي يدفع الثمن
هزيمة إسبانيا أمام المغرب أنهت حقبة لويس إنريكي على رأس المنتخب الإسباني.. غادر الرجل منصبه، وأصبح حرًا من أي التزام.
في باريس، كان سان جيرمان يبحث عن هوية جديدة بعد إخفاقات أوروبية متكررة. ومع اقتراب صيف 2023، توجهت إدارة النادي نحو المدرب الإسباني، ورأت فيه الخيار المثالي لإعادة التوازن إلى الفريق.
هكذا، جاء التعاقد. وبعد موسمين من العمل مع كتيبة النجوم، توّج إنريكي ببطولة دوري أبطال أوروبا، ليمنح النادي الباريسي أول تتويج قاري في تاريخه.
ماذا لو؟
لو لم يخسر المغرب تلك المباراة الودية في يونيو 2022، لربما بقي خليلوزيتش مدربًا. ولم يصل الركراكي إلى رأس العارضة التقنية. ولم تُقصَ إسبانيا على يد المغرب. ولو استمر لويس إنريكي، لربما لم يتفرغ لسان جيرمان. ولربما لم يتوّج النادي الباريسي بلقبه القاري المنتظر.
قصة غريبة؟ لكنها تجسيد دقيق لما يُعرف في علم الفوضى بـ"تأثير الفراشة": تغيّر صغير في نظام ما قد يؤدي إلى تحولات جذرية لاحقة في أماكن بعيدة وغير متوقعة.