للكلاسيكو الإسباني نكهة مميزة لدى الجمهور المغربي، طقوس لا نكاد نراها حتى في مباريات المنتخب الوطني المغربي، تلاسن وقفشات وحتى تشابك وشجار بين أنصار الطرفين، "الكتلانيون" يعيشون أحلى أيامهم مع الأرجنتيني ميسى، ورحيل زيدان وكريستيانو رونالدو خيب آمال "الرياليين"، تلك القفشات والملاسانات، التي تعلو أدخنة السجائر فوق رؤوس المرتادين، تحول فضاءات المقاهي إلى مدرجات "مقتطفة" من الملاعب، البيارق والأعلام بألوان الفريقين حاضرة بقوة، والتشجيعات المنحولة عن الأغاني الخاصة بـ"إلتراس" الفرق المغربية تعلو فوق صوت المعلق التلفزي، لا حياة في المدن إلا داخل المقاهي، الشوارع شبه خالية، والأبصار شاخصة على الشاشة التي تنقل صورا لكرة مطاطية يتقاذفها 22 نجما، لينطلق الصراخ الهستيري بمجرد دخول الكرة في شباك أحد الغريمين، لتنتهي المباراة هناك في إسبانيا وتبدأ مباراة أخرى هنا في المدن المغربية..
"فوط صحية" للخاسرين
قبل مواسم قليلة، وبعد كلاسيكو جمع "الريال والبارصا" في الدوري الإسباني، عمد مشجعو برشلونة في مجموعة من مقاهي مدينة الرباط، إلى توزيع "فوط صحية" على أنصار ريال مدريد، بعد سحق فريقهم المفضل للريال بخماسية، نكاية فيهم واستهزاء منهم بعد النتيجة المذلة التي حققها ''فريقهم"، بعض الرياليين تقبلوا "الإهانة" بروح رياضية، بينما غضب بقوة البعض الآخر، ورفض التطاول عليه بهذه الحركة، وتحولت "المزحة الثقيلة" إلى معارك استعملت فيها زجاجات المشروبات الغازية، وتطايرت الكؤوس، مخلفة خسائر في رؤوس مرتادي المقاهي، وفي زجاجات بعض السيارات، التي كانت تربد قريبا من المقاهي، لم تنته إلا بتدخل رجال الأمن، "هادشي علاش كنسربيو نهار الكلاسيكو فكيسان ديال الميكا" يقول ميمون العرصي، نادل في مقهى بالرباط، لأنه في كثير من الأحيان يكسر الزبائن الكؤوس الزجاجية مباشرة بعد تلقي شباك فريقهم المفضل لهدف، ما يخلف خسائر مادية لأصحاب المقاهي، "حيت الزاج متيتغرمش"، يضيف ميمون.
"اللقوة"
لم تفهم الجدة سبب الصراخ والتأوهات القادمة عبر النوافذ من الشارع، وظلت تطل تبحث عن "متظاهرين أو محتجين" مفترضين، يرفعون أصواتهم بمطالب اجتماعية أو سياسية، لكن حفيدها نبهها إلى أن الأمر لا علاقة له بالسياسة، "هادو راه غير صحاب الكورة أمي عزيزة"، فترغي الجدة وتزبد لاعنة الجلدة المنفوخة، "الله يعطيهوم اللقوة، خلعوني طيحو مني النص".
العديد من الأمهات يعانين مع صراخ الجماهير المنبعث من المقاهي المجاورة لبيوتهن، قبل وأثناء وبعد المباراة، يحتضن أطفالهن الصغار، الذين يرتعشون خوفا من صراخ الحناجر وضجيج أبواق السيارات، كما تعاني الأمهات أكثر مع أولادهن المراهقين، الذين يصرون على الذهاب إلى المقهى لمشاهدة الريال و البارصا، ومع فارق التوقيت، وامتداد زمن المباراة إلى أشواط إضافية وضربات جزاء، لا يسدل ستار الكلاسيكو إلا في منتصف الليل، فيصبح السماح للأطفال بارتياد المقاهي أمرا مستحيلا، لكن لا مستحيل أمام "هوس" الكلاسيكو المتادوري"، إذ ينتحب الأطفال ويحتجون بشدة على حرمانهم من متابعة العرض، فتستعين الأم بزوجها ليصطحب معه ابنه إلى المقهى، وفي عديد الحالات يرفض الوالد، فيلجا الابن إلى التسلل خارج المنزل، تهون كل الصعاب في سبيل الكلاسيكو.
لا للكلاسيكو نعم لـ"التحمحيم"
إذا كان السواد الأعظم من الشباب وحتى الأطفال والكهول، يتسمرون أمام شاشات التلفزيون المسطحة بالمقاهي، وقت عرض مباريات الكلاسيكو الإسباني، تستغل الفئة المتبقية، غير الآبهة بالقمة الكروية، لقضاء مآربها في هذا الوقت بالذات، يقول عبد الفتاح، تاجر في مدينة سلا، إنه يعتبر وقت "الكلاسيكو" أكبر فرصة للذهاب إلى الحمام الشعبي، للاستجمام هناك بكل حرية وراحة، بعيدا عن الأوقات العادية، التي تشهد اكتظاظا، وهي فرصة أيضا للتسوق أو الذهاب عند الحلاق لاستغلال انشغال الأغلبية بالكلاسيكو..
الشوارع غالبا ما تكون خالية وقت عرض المباراة، الكل فاغر فاه والأحداق تركز على الكرة بين الأقدام، وحدهم اللصوص من يستغلون الكلاسيكو لاقتحام شقة أو إفراغ سيارة من محتوياتها، كانوا "يتكتكون" لها منذ أيام وقد واتتهم الآن الفرصة، وفي كثير من الأحياء يفاجئ عدد من مهوسي الكلاسيكو بسرقة دراجته التي كان يوقفها أمام المقهى، لم يلحظ أنها اختفت إلا عند نهاية المباراة، اللصوص يستغلون الموقف جيدا لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة..
الكلاسيكو "يعتقل"عصابة إجرامية
قبل ثلاثة مواسم، في مباراة البارصا والريال، كانت فرصة سانحة أمام عناصر الدرك الملكي بضاحية بليونش، شمال المملكة، للقيام بعملية كبيرة أدت إلى إسقاط عصابة إجرامية ظلت تروع السكان طيلة شهور.
المباراة جمعت بعض المبحوث عنهم لمتابعة أطوارها، في إحدى المنازل بالمنطقة، الحماس والصراخ والتأوهات، جعلتهم يغفلون عن الخطر المحدق بهم، خلف أسوار المنزل، حيث تربص رجال الدرك ينتظرون الفرصة المواتية لجمع الغلة، اقتحموا المنزل وحولوا "عرس" المجرمين بالكلاسيكو إلى مأتم، وتم اعتقال الجميع، التحقيقات والتحريات فيما بعد، أظهرت أن عددا من الموقوفين لا يجمعهم بالمجرمين سوى حب البارصا والريال، فتم إخلاء سبيلهم، واحتفظ الدرك بالباقين الذين أوقعهم الكلاسيكو في شر أعمالهم.
الشعباني: الظاهرة يغذيها الإعلام وتساهم فيها تراجع الكرة المغربية
يرى الدكتور علي الشعباني، أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، أن الظاهرة التي خلقها الكلاسيكو بين الريال وبرشلونة لدى شريحة واسعة من الشباب المغربي، ساهم فيها بشكل وافر ظهور قنوات عربية تملكت حق نقلها مباشرة، بتعليق عربي من قلب الملعب.
ملاحظا ان انصار الفريقين الإسبانيين ريال مدريد وبرشلونة كانوا في المغرب منذ خمسينات القرن الماضي، لكنهم لم يكونوا بمثل هذه الكثرة والبهرجة، التي تشهدها المقاهي اليوم، غير أن ظهور هذه القنوات التلفزية زاد في حدة الظاهرة، التي يغذيها الإعلام المغربي عبر متابعة التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالمباراة وباللاعبين قبل وبعد خوض الكلاسيكو الإسباني.
وضاف الدكتور الشعباني، في تصريح لـ"لومتان سبور" أن المقاهي أضحت وقت عرض المباراة، تعوض دور السينما والمسرح، ما يخلف انتعاشة ملحوظة على مداخيل أرباب المقاهي الذين يمكن اعتبارهم المستفيد الأكبر من هذه الظاهرة.
كما قال الشعباني إن المستوى المنخفض للرياضة الوطنية عموما ولكرة القدم على وجه الخصوص مقارنة بدوريات اوروبا، ساهم في حدة هذه الظاهرة، سيما مع ظهور بعض الأخبار التي تفيد باختلاسات لبعض المسؤولين وفساد في ذمة بعض الحكام واللاعبين، ما ساهم العزوف عن متابعة الكرة الوطنية وتعويضه بالبطولات الأجنبية في مقدمتها الإسبانية والإيطالية والانجليزية.