لكن ما ينساه أو يتناساه هؤلاء هو أن العنف ليس مرتبط بالملاعب أو بفريق بعينه، وإنما له علاقة بمنظومة القيم وبالسياسات العمومية المتعلقة بالتربية والتكوين وتأهيل الأسر، الحديث هنا ليس الهدف من وراءه الدفاع عن المخربين أو إظهار نوع من التعاطف معهم، لكن الغاية من الخوض فيه، مرتبط بالتفاعل مع التحليل السطحي للأحداث، والترافع الإيجابي عن ضرورة بقاء فريق من حجم نادي الجيش الملكي بالعاصمة الكبرى للمملكة، لماذا؟
بغض النظر عن سياق نشأة فريق الجيش الملكي على يد الملك الراحل الحسن الثاني، وعلى الأقل إظهار نوع من الاحترام لوصيته التاريخية المتمثلة في جعل النادي الملكي قاطرة للرياضة الوطنية عموما ولكرة القدم الوطنية خصوصاً، -بغض النظر عن ذلك- فإن الزائر العادي للعاصمة الكبرى يلاحظ مدى ارتباط ساكنة العمالات والمقاطعات المكونة لهذه الأخيرة بنادي الجيش الملكي، هذا المعطى، يغفله المروجون لحل النادي أو ترحيله عن العاصمة، فهذه الأخيرة تعد من أجمل المدن وأكبرها بالمغرب، لكن ذلك لا ينفي أنها تسجل مجموعة من التناقضات، رغم مظاهر التحديث التي تبدو عليها. لهذا فتواجد نادي من حجم فريق الجيش الملكي بعاصمة المملكة يجعل من هذا الأخير فاعلاً مهماً، يلعب دوراَ أساسياً في احتواء هذه التناقضات. ما يلاحظ هو أن باقي الفرق المتواجدة بالعاصمة لم تستطع كسب قلوب الساكنة المحلية، إذ لم ينجح في ذلك سوى النادي الملكي، وبالتالي إنّ السؤال الذي يهمنا في هذا المقام: إلى أين سيذهب جمهور "الزعيم" في حالة ترحيل النادي إلى مدينة أخرى؟ في تقديري المتواضع، ومن زاوية علم الاجتماع، إخلاء العاصمة الكبرى من نادي بحجم فريق الجيش الملكي ستكون له عواقب ومخلفات سلبية من خلال احتمال ظهور ظواهر اجتماعية سلبية لا تتماشى مع التحديث الذي تعرفه العاصمة، إذ أن ذلك سيعطي نتائج عكسية لما يروجه أصحاب "التحليلات السطحية" المبنية على ردود أفعال، وليس التأمل والتفكير الاستراتيجي العميق.
جهة ترابية بحجم جهة الرباط-سلا-القنيطرة، والتحولات الديمغرافية والعمرانية التي تعرفها في حاجة إلى "الزعيم"، لما يلعبه من أدوار ينقصها فقط التأطير والمواكبة من طرف مجموعة من الفاعلين بما فيهم مجموعات الإلتراس، إدارة النادي، المصالح الخارجية لوزارة التربية والرياضة، والسلطات العمومية. هناك فرق تأسست بهذه الجهة الترابية قبل نادي الجيش الملكي، لكن ساكنة هذه الأخيرة ارتبطت بفريقين اثنين هما: الجيش الملكي والنادي القنيطري، وبدرجة أقل أندية اخرى، وبالتالي عشق ساكنة جهة العاصمة الكبرى لنادي الجيش الملكي له دلالات تاريخية ورمزية مرتبطة بالسياق الذي أسس فيه النادي، وبالمؤسسة التي أشرفت على تأسيسه ومواكبته، وأيضاً بهوية ومسارات ساكنة جهة العاصمة الكبرى المنتمية للفئات الشعبية وللطبقة الوسطى، المشتغلة أساساً في وظائف مرتبطة بقطاعات إستراتيجية وسيادية كوزارة الدفاع الوطني والأمن الوطني. و بالنظر إلى التحديّات التي تواجه فئة الشباب في وقتنا الراهن، لا يمكن التضحية بنادي من حجم الجيش الملكي، من أجل حصد نتائج عكسية، خصوصاً وأنّ الجميع يعرف نفور هذه الفئة من الأحزاب السياسية ومن جمعيات المجتمع المدني، وبالتالي فالفضاء الوحيد الذي استطاع احتواء شباب أحياء الطبقات الشعبية والوسطى للعاصمة الكبرى هو ملاعب كرة القدم، وبصفة خاصة المركب "الأميري" تحث راية نادي الجيش الملكي.
لكن ذلك لا يعني أن بقاء هذا النادي بالعاصمة كافٍ من أجل تأطير واحتواء شباب هذا الأخير، بل يجب أن يتماشى ذلك مع ضرورة تطوير النادي العسكري، لأنّ من بين أسباب العنف وتهور البعض هو رؤيتهم لأندية أخرى "منافسة" تصول وتجول في إفريقيا، وناديهم المفضل لم يعد قادراً على فعل ذلك. وبالتالي ف"الزعيم" يحتاج أيضاً في هذه اللحظات إلى "جمع الشمل"، ومصالحة حقيقية بين مكوناته، وإيجاد حل لمشكل تأقلم ميزانيته مع التطورات والتحولات التي تعرفها كرة القدم الوطنية والإفريقية. "الزعيم" يحتاج إلى نوع من الهدوء والتفكير العميق لكي يستطيع العودة إلى مقارعة صقور القارة، خصوصاً في سياق دولي أضحت فيه كرة القدم أداة من أدوات "القوة الناعمة" (Soft power)، وفي مناخ إقليمي يحتاج إلى عودة النادي الملكي إلى سكته الصحيحة، انطلاقا من العاصمة الكبرى للمملكة، ليلعب، مع باقي الفرق الوطنية، دوره الأساسي في مسايرة التموقع الإستراتيجي الجديد للمملكة المغربية في الساحة الإقليمية والدولية.
وفي الأخير، وحتّى لا نعود إلى نقطة الصفر، يجب على الأنصار الحقيقين "للزعيم" والشرفاء منهم دعم المدرب الحالي، وكذا تبني شعار "صفر ضحية" انطلاقاً من الموسم المقبل، لأنّنا وبكل صدق مللنا وتعبنا من سماع أن هناك ضحايا شغب أو اعتقالات في صفوف الأنصار، مللنا من رؤية الأمهات تفارقهنّ الابتسامة بشدة الحزن على فلذات أكبادهن. إن التّركيز من طرف الجميع على بناء وتطوير النادي ومحيطه سيعطي ثماره أكثر من التركيز على المناوشات وردود الفعل السلبية التي من بينها تخوين أصحاب المبادرات والنّوايا الحسنة، إضافةً إلى تخوين اللّاعبين وبعض المسيرين، دون نسيان الدخول في صراعات تافهة مع بعض جماهير الفرق المنافسة. الشيء الذي فوّت على النّادي وعلى أنصاره الاستفادة من أفكار ومقترحات عشّاق النادي الممتهنين لمهن مختلفة كالإعلام، المحاماة، الطب والهندسة. الأمر فعلاً يحتاج إلى نقد ذاتي وإلى تنظيم جلسات للحوار مع إشراك الجميع، بما فيهم الجمهور العادي ومجموعات الإلتراس.
مصطفى المناصفي (أستاذ جامعي)