من حيث المعنى، كان البلاغ دقيقا في اختيار وانتقاء الكلمات والملفوظات، القادرة على ترجمة ما يتغياه مسؤولو الفريق الأحمر من جماهيره العريضة، محددا سياق هذا الإصدار – البلاغ، منذ البداية، ثم بعد ذلك واصل الديباجة، بكثير من المسؤولية المسنودة بالبعد الإفريقي للمغرب على عهد جلالة الملك محمد السادس، وما ترتب عنه من حضور بارز لبلدنا في أي خطوة تروم الرقي بالقارة الإفريقية نحو الأفضل.
لنتأمل جيدا، وبكثير من الاعتزاز والفخر، المتوالية الجملية التالية، "وإذ يؤكد نادي الوداد الرياضي، حرصه على احترام بقاء المنافسة الرياضية في سياقها، دون إقحام اي عوامل أخرى فيها".
فالخيط الناظم لهذه الكلمات، هو الوعي بدقة المرحلة، وبالتالي تفويت الفرصة على الخصوم لاستغلال سياق رياضي لقضاء مآرب أخرى تكون محكومة باستفزاز مدروس وفق أهداف بعضها آني وآخر مستقلبي.
فبرافو للوداد.
ولم يتوقف الوعي بدقة المرحلة عند هذا الحد، بل تواصل بالانتقاء ذاته، والخلفية نفسها، عندما دعا البلاغ أنصار الفريق إلى "عدم الانسياق وراء أي استفزازات تجر لخروج المباراة من سياق التنافس، حسب ما تؤطره وتفرضه القوانين المنظمة للمسابقة".
لنتمعن في هذه العبارات المنتفاة بعناية العارف بطبيعة سياق اللقاء الكروي، وتحديدا الأخيرة، أليست الفكرة مصاغة على درجة عالية من الهدوء والرازنة، لكي يكون المعنى شاف وكاف، جامع ومانع، واضح وجلي، وجيز ودقيق...
وبلغ الإصدار مداه من التعقل والحكمة، والرشد عندما دفع بطريقة لبقة جماهيره للامتناع عن متابعة المباراة من مدرجات الملعب وعدم الانسياق وراء أي استفراز( لاحظوا التكرار المفيد وليس الحشو الممل)" لماذا؟، لتفادي إلحاق الضرر "بسمعة الكرة الإفريقية والمغرب أولا، وبطل إفريقيا والمغرب في المسابقة"، إنه النبوغ المغربي في أبهى صوره،
إنه، لعمري، التجسيد الملموس للمكانة الرفيعة لكرة القدم الافريقية والمغرب والوداد لدى مسؤولي الفريق الأحمر، مع رفض كل ما من شأنه أن يلحق الضرر بسمعة هذا الثالوث.
بقيت نقطة أخيرة، تتعلق بالمبنى، الذي جاء على شكل فقرات مركزة، مكتوبة بخط لونه أبيض (دلالة صفاء السريرة، ونقاء النية)، وخلفية بلون بني له علاقة بشكل من الأشكال بطبيعة القارة الإفريقية.
فبرافو وداد الأمة
إن ما اهتديت له سلفا، وتوصلت إليه عبر قراءات متعددة للبلاغ، آت من ردود الأفعال التي أثارها البيان لدى الكثير من وسائل الإعلام الجزائرية، التي عملت جاهدة على إفراغه من مراميه الرياضية المحضة لتدخله في متاهات التعويم والتضليل، وفق "خطاب المظلومية".
في كل الأحوال، الوداد كان موفقا في هذه الخطوة- الصنيع، ومن خلاله، المغرب، حيث أعطى درسا آخر في النهج الذي ارتضاه بلدنا مع الجيران "مد يد التعاون والإخاء" وبكل الخلفيات، التاريخية والثقافية والدينية، والرياضية... وفي الوقت ذاته الترفع عن الظرفي والمرحلى والآني، بمعانقة ما هو استراتيجي خدمة لأجيال اليوم والغد، ولنا في نهائيات كأس إفريقيا للاعبين المحليين الأخيرة الدليل، فهل وصلت الرسالة؟ أحلم ...أتمنى..