يونس الخراشي يكتب: مونديال 2030.. ماذا سيكسب المغرب؟ وأي شيء يتعين تغييره؟

يبين الاستبيان الذي أطلقه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص الأشياء التي يمكن كسبها من تنظيم كأس العالم 2030، إلى أي حد هناك جزئيات قد تبدو بسيطة، وربما غير ذات أهمية بالنسبة إلى البعض، ولكنها ذات حساسية عالية، وفعالية كبيرة، ومن شأنها أن تشكل، في حال منحها الاهتمام الكافي، دعامات أساسية لتنظيم ناجح، ومفيد، ومنتج لإرث حضاري واقتصادي مهم لمستقبل المغرب.

يونس الخراشي يكتب: مونديال 2030.. ماذا سيكسب المغرب؟ وأي شيء يتعين تغييره؟

يطرح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في استبيانه على موقعه الخاص، وصفحاته على منصات السوشل ميديا، عدة أسئلة، أبرزها :"ما هي التجهيزات أو الخدمات ذات الأولوية التي يجب تطويرها في المدن التي ستستضيف مباريات كأس العالم؟ (يمكنكم اختيار أكثر من إجابة)"، وأيضا :"ما هي الإجراءات ذات الأولوية التي ينبغي اتخاذها لخلق منظومة ملائمة لاحتضان بلادنا لكأس العالم؟ (يمكنكم اختيار أكثر من إجابة)"، وكذا :"ما هي السلوكات المواطِنة الكفيلة بالمساهمة في إنجاح تنظيم كأس العالم؟ (يمكنكم اختيار أكثر من إجابة)"، فضلا عن :"ما هو في رأيكم القطاع/ المجال الذي يكتسي أهمية أكبر لضمان تنظيمٍ ناجحٍ لكأس العالم؟".

وإذ بطرح المجلس كل هذه الأسئلة، تحت عنوان "شارك برأيي حول الفرص التي يتعين استثمارها من احتضان المغرب لكأس العالم 2030"، يوجه عناية المستجوبين، ممن سيزورون الموقع، أو صفحاته على منصات السوشل ميديا، إلى جزئيات بسيطة، من قبيل المراحيض العمومية، وعلامات التشوير الطرقي واللوحات الإرشادية، والبنيات التحتية ذات الصلة بالنقل العمومي، والمطاعم وأماكن الترفيه، وأقسام المستعجلات والمرافق الصحية، فضلا عن رقمنة الخدمات (التسوق عبر الإنترنت، والدفع عبر الهاتف المحمول، والنقل الحضري، وغير ذلك)، أو نزاهة المعاملات التجارية (المعقول)، التواصل غير العنيف.

والحقيقة أن كل هذه الجزئيات لها أهميتها القصوى، ومن شأنها أن تكون ذات أثر في تنظيم كأس العالم 2030، بل وقبله كأس إفريقيا للأمم 2025، ونسخ كأس العالم الخمس للفتيات أقل من 17 سنة، فضلا عن منافسات رياضية أخرى كبيرة، كما أنها ستكون ذات أثر بالغ على كرامة المواطن المغربي، الذي سيفيد ويستفيد، بحيث سيربح من وجود المراحيض العمومية، والتشوير الفعال، والنقل العمومي الجيد، وسيفيد بسلوكه الحضاري، و"معقوله" في التعامل مع الغير؛ أكان هذا الغير من مواطنيه، أو من الأجانب.

إن الأمر يتعلق بسفارة في الزمان والمكان. إذ سيصبح كل مواطن مغربي سفيرا لبلده، بحيث سيشتغل ليصنع المستقبل لنفسه ولغيره من الأجيال المقبلة، ومن الأجانب الذين سيزورون المغرب في القريب والبعيد، بفضل الإسهام أولا، في لفت الانتباه إلى الخصاص الحاصل في جوانب يراها مهمة للتنظيم الجيد، وثانيا، في دعم إنشائها أو إصلاحها أو المحافظة عليها، وثالثا، بالتأسيس لثقافة التعامل المتحضر مع الأشياء، على اعتبار أنها ملك للجميع، حالا واستقبالا. فليس تنظيم كأس العالم غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة للبناء الحضاري المستمر، الذي يتغيى إرسال إشارة إلى العالم، مفادها أن المغرب، الذي نال ثقة فيفا، ومن ورائها أصوات العالم، لنيل شرف احتضان مونديال 2030، يشكل واسطة العقد في بناء حضاري، لعالم يعمه السلم والأمان، ويهتم بكرامة الإنسان، ورفاهيته.

لقد ترشحت ريو ديجانيرو ست مرات كي تنال شرف تنظيم الألعاب الأولمبية. وعانت كثيرا لكي يجفف بحيرة كانت تشكل نقطة سوداء بيئية للمدينة المطلة على المحيط الأطلسي. وعانت أكثر لتضبط أمنها المنفلت، وتصحح صورتها لدى العموم، باعتبارها بؤرة للإجرام. ولم تنل روسيا شرف تنظيم كأس العالم بسهولة. وخسرت الملايير كي تهيء نفسها لاستقبال الملايين، في دورة 2018. فاحتاجت إلى آلاف المراحيض البلاستيكية المبثوثة في الشوارع، ولاسيما قرب الملاعب، وفي المزارات الشعبية، مثل الساحة الحمراء. 

ماذا ربحت ريو، ومعها البرازيل؟ وماذا ربحت روسيا أيضا؟ 

كلاهما صحح صورته لدى العالم. فقد اكتشف الملايين، عن كثب، وعلى أرض الواقع، ريو العجيبة والعجائبية، وموسكو وسان بتيرسبورغ وقازان وفورونيج وكالينينغراد، وغيرها، من المدن الساحرة، بثقافة تستحق أن تشد إليها الرحال. ومنذ ذلك الحين، أصبح لريو وروسيا، وقس على ذلك بالنسبة إلى الدول التي نظمت أحداثا رياضية كبرى، صورة أخرى، جديدة، وذات مغزى آخر، عبر العالم.

هنالك أشياء تستحق الانتباه إليها. هنالك جزئيات مهمة. وكل عمل بناء يحتاج إلى تشاركية والتقائية، سيكون الرابح الأول فيها هو المغرب والمواطن المغربي. 

هالا مونديال 2030..