الصحافة الرياضية بين السبق و"دوا البرغوت"

إبراهيم شخمان

تحوّل العمل الصحفي "الرياضي وغير الرياضي" في المغرب إلى حلبة سباق نحو "سبق مزعوم"، بلهفة و"لهطة" سقطت معهما كل أخلاقيات المهنة والتثبت من الخبر، فأصبحت كل إشاعة أو مزحة أو "تخربيقة" صالحة لتكون سبقا وخبرا وعاجلا وحصريا.. لا يهمّ صدقها من عدمه، الأهم هو السبق لجذب المشاهدات والنقر و"الترافيك".

صفحة ساخرة على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، انتحل صاحبها اسما قريبا من اسم الصحفي الإيطالي الشهير فابريزيو رومانو، جرّت وما زالت، عديد المواقع والصفحات التابعة لمؤسسات إعلامية ومنابر "كبيرة" نحو أخبار مكذوبة، دون احترام لصفة التثبت من الخبر قبل نشره، احتراما للمهنة (أو بالأحرى ماتبقى منها) واحتراما للمتلقي.

الصفحة كانت زعمت أن وليد الركراكي مدرب المنتخب الوطني قريب من تدريب منتخب الولايات المتحدة الأمريكية، فتلقّف الطعم عديدون وانساقوا وراءه، وكرروا الكذبة، ثم قالت إن أوناحي قريب من التوقيع لأتلتيكو مدريد، ليتحول هذا الوهم إلى نقاش في إذاعات واسعة الانتشار بين المستمعين، قبل أن يخرج لهم اليوم بخبر مفاده أن سفيان رحيمي سينقل لإشبيلية، ليتكرر السقوط من جديد في المحظور.

السرعة تقتل! هكذا كانت تقول حملة تلفزيونية للتوعية من مخاطر السير الطرقي على التلفزيون المغربي، لكنها أيضا تقتل المهنية، لأن سماع الخبر-الإشاعة هو فقط مرحلة أولى تدعو الصحافي إلى التحرك للتأكد منه قبل نشره أو تركه، والوسائل نحو ذلك عديدة، إما بالاتصال بالمعني مباشرة أو بمقربيه أو البحث في المصادر الرسمية، قبل تحرير الخبر.

اليوم، بتنا نرى في المشهد الإعلامي الرياضي على الخصوص، حضيضًا نزل تحت الحضيض، أشخاص بدون صفة يلبسون جلباب المحللين والمنشطين، يحولون البلاطوهات إلى عروض أشبه بالتهريج.. لكنه تهريج مبك أكثر منه مضحك، قد يضحك منه السذج، لكنه يؤلم من كان له قلب وعقل.

قبل أيام، التقيت واحدا من رواد الصحافة المغربية الذين اعتزوا بالمهنة ثم اعتزلوها..اختار الهجرة وراء المحيط الأطلسي بعيدا عن ضجيج الملاعب في الوطن، سألني عن أحوال الصحافة الرياضية، فلم أجد جوابا.. تلعثمت في البداية وخجلت، لأننا لم نحافظ على العهد وعلى رقي "صاحبة الجلالة". ثم قلت له إن المشهد الإعلامي الرياضي اليوم أصبح شبيها بالأسواق الأسبوعية، الجميع يرفع صوت أبواقه ويصرخ مناديا في رواده يغريهم بسلعته، "دوا البرغوت".. أعشاب عجيبة للخصوبة تجعل الشيخ شابا.."تعويذات" و"حجابات" للقبول ولجلب الزوج والأبناء… ناهيك عن أصحاب الشواء و"الزرودات والسفنج".. الكل يصرخ صادقا أو كاذبا هكذا هو المشهد!

استغرب في البداية.. كأنه لم يصدق، فما كان مني سوى أن أخرجت الهاتف المحمول وفتحته على عينّة من البلاتوهات التحليلية الرياضية ليرى ويسمع.. وبعد مشاهدته لثلاثة فيديوهات، هممت بأن أريه عينة رابعة.. فإذا به يدفع يدي ويعود للوراء وعلى وجهه علامات الاشمئزاز.. وكأنني أحمل في يدي "قرفا".. وقال لي بنبرة المتوسل: "صافي باركة.. هادشي جاب ليا الترويعة".