هل ينجح المنتخب التونسي في تمرير أفضل أوراقه دون أن يلتفت إليه أحد؟ هذا السؤال فرض نفسه بقوة بعد الظهور المقنع لـ"نسور قرطاج" في مستهل مشواره بكأس الأمم الإفريقية 2025، إثر انتصاره الواضح على أوغندا بثلاثة أهداف مقابل واحد، في مباراة كشفت عن منتخب منظم، متماسك، ويعرف جيدًا ما يريد.
منذ عقود، رسّخت تونس مكانتها كواحدة من أكثر المنتخبات الإفريقية انتظامًا على مستوى النتائج. ورغم غياب الأسماء اللامعة أو النجوم العالميين، فإنها بنت هويتها الكروية على الانضباط التكتيكي، الصرامة الجماعية، وثقافة الانتصار، وهي عناصر جعلتها حاضرًا دائمًا في الأدوار المتقدمة للمنافسات القارية.
وتبقى كأس أمم إفريقيا 2004، التي توّجت بها على أرضها، الإنجاز الأبرز في تاريخها، لكنها لم تغب بعد ذلك عن المشهد، وظلّت منافسًا صعبًا في معظم النسخ، حتى وإن لم تكن دائمًا الفريق الأكثر إمتاعًا أو جاذبية.
النسختان الأخيرتان لم تكونا في مستوى تطلعات “نسور قرطاج”، خاصة نسخة 2023 التي انتهت بإقصاء مبكر ومخيّب من دور المجموعات. غير أن نسخة 2025 قد تشكّل نقطة تحوّل، خصوصًا بعد الأداء المتوازن والمقنع في مباراة الافتتاح، التي جعلت تونس من بين أكثر المنتخبات إقناعًا في بداية المنافسة.
ويُعدّ عودة سامي الطرابلسي إلى تدريب المنتخب مؤشرًا واضحًا على الرغبة في استعادة الهوية القديمة. مدرب يعرف البيت جيدًا، ويُفضّل العمل الهادئ على الخطابات الكبيرة، والانضباط على الوعود. هذا “الـDNA” التونسي بدا جليًا داخل أرضية الملعب وخارجها.
في هذا السياق، لخّص حنبعل المجبري، لاعب وسط بيرنلي، الحالة الذهنية للمجموعة بقوله: “اتركونا في الظل، نحن نشتغل. نعرف ما يجب تحسينه. سعيدون ببداية جيدة، لكن الأهم هو التركيز”.
الرسالة نفسها حملها إلياس العاشوري، صاحب الثنائية في مرمى أوغندا، حين شدد على أن المنتخب لا يسعى إلى توجيه رسائل لأي طرف، بل يفضّل التعامل مع البطولة مباراة بمباراة، وترك الحصيلة النهائية لما ستؤول إليه المنافسة.
هكذا، وبدون صخب، تواصل تونس تقدمها. لا تُصنّف ضمن كبار المرشحين، لكنها تملك كل مقومات الذهاب بعيدًا: تنظيم محكم، تواضع في الخطاب، وفعالية داخل الميدان. البقاء في الظل قد لا يكون مجرد اختيار... بل المجال الذي تُجيد فيه تونس اللعب وإرباك الحسابات.